القائمة الرئيسية

الصفحات

 كيف لك أن تظل متناغما مع المنطق العبثي وتتجنب أن تقع ضحية "لروح الحنيّ للماضي"؟  تجد )أسطورة سيزيف( الإجابة عبر هجر ميدان الفلسفة تماما. يصف كامو عددا من الشخصيات الخيالية والأنشطة العبثية ،بما فيها دون جوان وكيرلوف في رواية )الشياطيّ( لديستوفسكي.، المسرح، الإبداع الأدبي. ثم يختم بقصة سيزيف الذي يجسد عبثية الحياة بشكل كلي، إنه "عمل عبثي، وميؤوس منه" )MS, 119(. يرى كامو أن جهد سيزيف اللانهائي ووعيه المكثف بالعبثية، إنجا زا. "إن ازدراءه للآلهات، وكراهيته للموت، وشغفه بالحياة قد أكسبته عقوبة يتعذر وصفها حيث يبذل فيها الوجود كاملا جهدا لتحقيق اللاشيء) ".MS, 120(. بعد فصول واعية ومكثفة للغاية ،تأتي هذه الصفحات لتوجز الخط الفكري بأكمله داخل صورة حية .يشرح سيزيف أن بإمكاننا العيش مع "اليقيّ بأن مصيرنا إلى الزوال، دون الاستسلام الذي يجب أن يصاحبه" )MS, 54(. بالنسبة لكامو، فإن سيزيف يذكرنا بأننا لا نتحمل السعي لفهم الحقيقة التي تسمو فوق ذكائنا، ونسعى لإدراك أكثر مما يسمح به فهمنا العلمي والعملي المحدود، ونتمنى الخلود .نحن أقدارنا، مثل سيزيف ،وإحباطنا هو حقيقة حياتنا: وليس بمقدورنا الهرب منه .

لكن هناك الكثير .فبعد تدحرج الصخرة للأسفل ،تتأكد العبثية المطلقة لعمله ،ليعود سيزيف ويلتقطها من جديد. هذه هي "ساعة الوعي. في كل لحظة من تلك اللحظات عندما يغادر الجبال ويغرق تدريجيا في مخبأ الآلهات، فهو يتفوق على قدره. وهو أقوى من صخرته) .MS, 121(. لماذا استخدم كلمة "تفوق" و "أقوى "بينما لا يملك سيزيف أي أمل في النجاح في المرة القادمة؟ ذلك عائد لإحساس مأساوي، متناقض ،برغبته "لتتويج فوزه." يعرف سيزيف، عامل الآلهات، المتمرد الضعيف، المدى الكامل لوضعه البائس:  وهو ما يفكر فيه خلال هبوطه". إن الوعي المأساوي هو خلاصة "المنطق العبثي :"العيش بوعي تام لمرارة وجودنا ومواجهة قدرنا بصورة واعية .

ما هو رد كامو إذن حول ما إذا  كان الانتحار واجبا أم لا؟ الحل في الوعي الكامل ، وتجنب الحلول الزائفة مثل الدين، رفض الخضوع، والمضي بحيوية وقوة، تلك هي إجابات كامو .وبذلك يمكن أن نجعل الحياة التي تفتقر لمعنى مطلق، مستحقة للعيش. مثلما قالها في) أعراس(، مباهج الحياة لا تنفصل عن وعي حاد بهذه الحدود .

يقبل سيزيف الحياة مع الموت دون احتمالية اللجوء لإله ."كل أفراح سيزيف كامنة فيه. قدره ينتمي إليه .

وصخرته ملكه".(MS, 123 (.

يعيش سيزيف بشكل حيوي ،حيث يعرف نفسه" سيكون سيد أيامه ".يقولكامو أنه من خلال إدراكه ذلك ،فهو إذن يمتلك زمام أمره . وبهذا المعنى يعيد سيزيف تشكيل قدره داخل وضع" الأصل الإنساني الكليّ ". ربما تكون "كليّ " مبالغة، لأن الموت بعد ذلك "أمر حتمي لا مفر منه"، لكن بالاعتراف بذلك، يعيش سيزيف واعيا بما فرض عليه، وبالتالي يعيش إلى نهايته . وعلى النحو ذاته، يبدأ ميرسول بطل رواية )الغريب( بالوعي في الجزء الثاني من الكتاب، بعد ارتكابه جريمة القتل غير المعللة، التي خُتم بها الجزء الأول من الكتاب. لقد عاش وجوده من لحظة لأخرى دون قدر  كاف من الوعي، لكن في محاكمته، وبينما ينتظر الإعدام غدا مثل سيزيف، واعيا تماما بشأن قدره المريع. سيموت منتصرا مثل رجل عبثي.

إن أسطورة سيزيف بعيدة كل البعد عن الخلاصة المشككة .ففي الاستجابة لإغراء الانتحار، ينصح كامو بوعي مكثف ونشط ،لا يرمي إلى حل. إن رفضه أي أمل في حل الجهد، هو أيضا رفض لليأس .فمن الممكن بالتأكيد، داخل وضد هذه الحدود ،الحديث عن السعادة .فـ "السعادة والعبث ابنان لنفس الأرض .إنهما متلازمان) ".MS, 122(. لا يعني ذلك أن اكتشاف العبث يؤدي بالضرورة إلى السعادة، بل إن الاعتراف بالعبث يعني قبول هشاشة الإنسان، والوعي بحدودنا، وحقيقة أننا لا نستطيع أن نؤمل بتجاوز ما هو ممكن .كل هذه رموز على كونك حيا بالكامل ."إن الكفاح نحو المرتفع  كاف ليملأ قلب الرجل. وعلى الم رء أن يتخيل سيزيف سعيدا".

تعليقات

التنقل السريع